
الصداقة كلمة تحمل معاني كثيرة .. بل هي في حد ذاتها معنى عميق .. قديماً قالوا أن صديقك من صدقك القول والفعل .. وفي حاضرنا نبحث عن الصديق فلا نجده بسهولة .. كثيراً ما تقابل انسان وتتوسم فيه الصداقة .. ولكنك تكتشف أن هذا المعنى أكبر من هذه العلاقة التي تجمعك به .. فلكثرة اشتياقنا لوجود الصديق الحقيقي .. نطلق على المعارف أو الأصحاب لفظ اصدقاء في حين أن القدماء استطاعوا ان يفرقوا تماما بين هذه المعاني وتلك التصنيفات .. فالمعارف أشخاص تعرفهم اسماً أو شكلاً وقد تقابلهم وتتعامل معهم في بيع أو شراء وربما في حديث حواري عابر ... والاصحاب قد يصحبونك في رحلة أو في زيارة لمكان ما .. مجرد صحبة .. وهناك الزملاء... زملاء الدراسة .. زملاء العمل .. ولكن ليس كل صاحب صديق .. و ليس كل معرفة صديق .. و ليس كل زميل عمل أو دراسة نطلق عليه مسمى صديق
هناك نوعان من الأصدقاء أكتسبتهم على مدار حياتي ... ومن وجهة نظري الخاصة هم الأناس الذين لم يجمعني معهم أي مصلحة مادية أو غاية نفعية ... النوع الأول : أصدقاء كانوا زملاء دراسة ... حيث يكون الشخص مجرد تلميذ أو طالب يأخذ المصروف من والده .. ليس له منصب وليس لديه أموال ليجتمع حوله اصحاب المنفعة ليتظاهروا بصداقته ... و النوع الثاني : اصدقاء كانوا زملاء سلاح في فترة التجنيد ، وفي هذه الفترة ايضاً الكل سواسية لا منصب ولا مال .. الكل يرتدي نفس الزي وله نفس الامكانيات لا يجمعنا سوى الانسانية
اليوم سوف اتحدث عن مجموعة من اصدقاء المرحلة الثانوية ولكن لن اذكر أسماؤهم كاملة لأنني لم آحصل على موافقتهم .. الوحيد الذي سوف أذكر اسمه كاملا هو الوحيد الذي لم ينقطع عن التواصل معي بالرغم اننا لم نتقابل منذ خمسة سنوات أو يزيد..
كنت فى الصف الثاني الثانوي بالقسم الأدبي بمدرسة ناصر الثانوية العسكرية بشبرا ... وكان لي مجموعة من الزملاء الأصدقاء متفرقين في عدة فصول نظراً لاختلاف تخصصاتنا ... محسن كان بالقسم العلمى ... وأحمد كذلك .. وعبد الجواد مثلهما ... وابراهيم كان بالقسم الادبي ولكن لغته الثانية كانت الايطالية .. وعادل كان بالقسم الادبى أيضا ولكن لم يكن زميلي في نفس الفصل ... كنا نتقابل جميعا يوميا فى الفسحة في مكان محدد أطلقنا عليه إسم : الركن البعيد الهادي ... وكان هذا اسم أغنية للمطربة أنغام ... حيث كانت ولأول مرة تطلق ألبوم غنائي من ألحان والدها الموسيقار محمد علي سليمان وكانت وقتها فى مثل سني تقريباًً ... اسم هذه الاغنية اصبح هو اسم المكان الذي يجمعنا ولنا صورة فوتوغرافية تجمعنا جميعا في هذا المكان ... الركن البعيد الهادي
الآن .. أين ذهب كل هؤلاء ؟؟ ... أحمد أصبح مصمم جرافيك .... محسن اصبح محاسب ... عبد الجواد محاسب ايضاً ... عادل يعمل باحدى شركات البترول ..... ابراهيم عبد الرحمن يعيش حالياً في الولايات المتحدة الامريكية ... في ولاية منهاتن .. يقوم بتدريس اللغة العربية في احدى المدارس هناك ... لقد اصبح الغرب مهتم بتعلم اللغة العربية مؤخرا ... ابراهيم عبد الرحمن هو الوحيد منهم الذي يتواصل معي بالرغم أنني في بلد وهو في بلد آخر ... وذلك بالطبع عن طريق الانترنت ... ولكن هناك تواصل وحرص متبادل بيننا على هذا التواصل
انا لا اريد منه مصلحة ... ولا هو يريد مني مصلحة أو منفعة ... هذه هي الصداقة التي أتحدث عنها .. اننا بالرغم من التباعد المكاني والزماني بيننا نجد صداقتنا باقية في قلوبنا ... هذا هو الصديق .. وقديماً قالوا : الصديق وقت الضيق ... و اختار الصديق قبل الطريق ... فلا تتعجلوا يا اصدقائي باطلاق لقب صديق على كل من هب ودب ... أعلم أن الكل في اشتياق للاحساس بالصداقة ولكن في التأني السلامة وفي العجلة الندامة .. واتمنى للجميع أنهم يقابلوا أصدقاء حقيقيون .. و أنصح كل من له صديق يستشعر فيه بصدق هذه القيمة لديه ألا يفرط فيه ويحافظ على هذه العلاقة الجميلة